حوار صحفي حول العنف في المدارس وتأثيره على الطلاب


س: هل أصبح الضرب هو الوسيلة الوحيدة للتعليم في المدارس؟ وما هي المشكلات التي تواجه العملية التعليمية اليوم؟

صبري : للأسف، نشهد اليوم تزايدًا في استخدام العنف داخل المدارس، وكأن الضرب أصبح الوسيلة الأساسية للتعليم، رغم أنه ليس حلاً تربويًا بأي حال من الأحوال. المدارس يجب أن تكون بيئة آمنة ومشجعة على التعلم، لكن بعض الممارسات السلبية تؤثر على الطلاب نفسيًا وتعليميًا.

س: ما هي المشكلات التي تواجه المدارس حاليًا؟

صبري : هناك العديد من المشكلات، من أبرزها ضعف الوسائل التربوية الحديثة، وغياب التدريب الكافي للمعلمين على التعامل النفسي والتربوي مع الطلاب. بدلًا من تنمية مهاراتهم وتشجيعهم على الإبداع، يتم اللجوء إلى أساليب العقاب الجسدي التي قد تترك آثارًا سلبية على نفسية الطفل ومستقبله.

س: كيف بدأ موضوع الضرب مع ابنتك؟

صبري : ابنتي همسة متفوقة دراسيًا، وحافظة للقرآن الكريم، كما أنها كانت تجيد القراءة والكتابة قبل دخول المدرسة، لأننا كنا نهتم بتعليمها منذ الصغر. نحن عائلة متعلمة، ابني الكبير تخرج في كلية الهندسة هذا العام، وابنتي الأخرى أنهت دراستها في كلية الحقوق، أما محمد فهو في الصف الثاني الثانوي، وهمس هي الأصغر. لكن رغم تفوقها، تعرضت لموقف غير مقبول داخل المدرسة، وهذا ما جعلنا نطرح تساؤلات حول أساليب التربية والتعليم التي تُمارس اليوم.

س: كيف بدأت المشكلة مع ابنتك همسة؟

صبري : المشكلة بدأت عندما لاحظت أن ابنتي ترفض الذهاب إلى المدرسة تمامًا. سألتها عن السبب، لكنها كانت خائفة من التحدث. في البداية، ظننت أن هناك خلافًا بينها وبين زملائها، لكن اتضح أن المشكلة كانت مع معلمة الحساب.

س: وما تفاصيل المشكلة مع المعلمة؟

ولي الأمر: اكتشفت أن المعلمة تضربها لأنها لا تشتري الطعام من المدرسة. ابنتي لم تكن بحاجة لذلك، فوالدتها تحضّر لها وجبات صحية من المنزل، لكن بعض الطلاب كانوا يقولون للمعلمة: "همسة بتشتري أكل من الخارج"، فتقوم المعلمة بمعاقبتها بالضرب.

س : كيف تصرفت عندما علمت بالأمر؟

ولي الأمر: بدأت بالخطوات الطبيعية، أخذت ابنتي وذهبت إلى المدرسة وقابلت الناظر. شرحت له المشكلة، فاستدعى همسة وسألها، لكنها أكدت أنها لا تشتري شيئًا من الخارج، بل تحضر طعامها من البيت. بدلاً من معالجة الأمر، دعم الناظر موقف المعلمة وقال لها: "لازم تشتري من المدرسة، حاجاتنا رخيصة وكويسة".

س:  هل واجهتِ المعلمة مباشرة؟
ولي الأمر: نعم، أخذت ابنتي إليها وقلت لها: "همسة رافضة تأتي للمدرسة بسبب الضرب"، فكان ردها الصادم أمامي: "أيوة، هاضربها لو مشتريتش من المدرسة!" كان هذا المشهد صادمًا للطفلة، أن يتم تهديدها بالضرب أمام والدها.

احمد حسن : ماذا فعلت بعد ذلك؟

صبري : لم يكن أمامي سوى التوجه إلى إدارة الصف التعليمية، وهناك قابلت مدير التعليم الابتدائي الأستاذ خالد حسين، وقدمت له الشكوى رسميًا. اتصل على الفور بالناظر وسأله عن الأمر، وواجهه قائلاً: "إزاي تسمح ببيع المعلمين داخل المدرسة؟ ولماذا يتم تخفيف جدول المعلمة لتبيع في المقصف؟" ثم قرر نقل همسة إلى فصل آخر، واعتقدت أن المشكلة قد انتهت.

س : لكن يبدو أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد؟

ولي الأمر: للأسف، بعد فترة اكتشفت أن ابنتي تتعرض لمضايقات أخرى. لاحظت أنها عادت من المدرسة وقد بللت ملابسها، وعندما سألتها، أخبرتني أن المعلمة لا تسمح لأي طالب بالذهاب إلى الحمام إلا إذا اشترى منها، وبما أنها لا تشتري، كانت تُمنع من الخروج. وعندما أخبرتها أن تنتظر الفسحة، قالت لي: "مفيش فسحة من أول السنة، الناظر مانعها".

س: ماذا فعلت بعد ذلك؟
صبري : توجهت إلى مدير الإدارة التعليمية الأستاذ ياسر عكاشة، الذي استقبلني مع ابنتي، ووعد بإرسال لجنة تحقيق لحل المشكلة. بالفعل، أرسل رئيس اللجنة الأستاذ سلامة سعد، الذي قام بجولة في المدرسة بحضور أولياء الأمور والمعلمين وأثبت كل شيء. أخبرني أنه سيرفع التقرير إلى الشؤون القانونية.

س:  وهل تم اتخاذ أي إجراء بعد التحقيق؟

صبري: بعد أسبوعين لم يحدث شيء، فذهبت إلى الشؤون القانونية للاستفسار عن التقرير، ففوجئت بأنهم لم يتسلموه! اتصلت بالأستاذ سلامة، وأكد لي أنه سلّمه، لكن في الواقع لم يكن هناك أي تقرير او ان هناك يد خفية قامت بإخفائه حيث ظللت مدته بانتظاره بالشؤون القانونية لتفاجي بانه اغلق هاتفه او لا يوجد تقرير.

والد همسة: لم أستسلم، قدمت شكوى للنيابة الإدارية، وهناك التقيت برئيس النيابة الإدارية في العجوزة، المستشار كامل بيه، الذي استمع لهمسة وكرّمها، وتعامل معها كأب قبل أن يكون مسؤولًا. لكن على أرض الواقع، لم تُحل المشكلة، لأن ابنتي لم تعد تستطيع دخول المدرسة بسبب التنمر المستمر حتى خارج أسوارها.

س : هل لجأت لأي جهات أخرى للمساعدة؟

والد همسة: نعم، تقدمت بشكوى إلى المجلس القومي للأمومة والطفولة، وكانوا رحماء بابنتي، حيث حوّلوها للعلاج النفسي لمدة ثلاثة أشهر. كانت تزور الدكتورة علا هناك، التي أحبتها وساعدتها نفسيًا، لكن المشكلة الحقيقية ليست فقط في العلاج، بل في الواقع المؤلم الذي تعيشه البنت بسبب المجتمع المحيط والتنمر المستمر. الأطفال في قريتنا يسمونها بألقاب مهينة، مما جعلها تنهار نفسيًا، وتخاف من الذهاب إلى المدرسة.

س : هل حاولت نقلها إلى مدرسة أخرى؟

والد همسة: طلبت ذلك أكثر من مرة، لكن لا أحد استجاب، بل اكتفوا بإرسال إنذارات فصل بدلًا من إيجاد حل عملي لمشكلتها. وكأن مشكلتي الوحيدة هي اني ساخاف علي ان ابنتي ستفصل او لا اعلم انها ستفصل اذا زادت مدة غيابها، وليس هدفي هو إعادة ابنتي إلى بيئة آمنة للتعليم.

س : هل وصلت الشكوى إلى الوزارة؟
والد همسة: نعم، توجهت إلى مكتب الوزير، وقابلت الأستاذ أسامة أبو المكارم أثناء زيارته التفتيشية للمدارس في الصف. الرجل استقبلنا جيدًا، واستمع لهمسة، وتعاطف معها بشدة، ووعد بحل مشكلتها شخصيًا. اقترحت عليه الحل وهو إدخالها المدرسة أثناء الطابور، وإشراكها في فقرة شعرية أمام زملائها لتستعيد ثقتها بنفسها، ثم يتم نقلها إلى مدرسة جديدة دون أن تشعر بالضغط. وافق على الفكرة، وأخذ المستندات، لكن بعد يومين بدأ يتهرب، ثم قال إنها ليست مسؤوليته، وأخيرًا أغلق هاتفه، وغير اسمه على الواتس آب!


س: هل حاولت اللجوء للإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي؟

والد همسة: نعم، نشرت فيديو عن القضية في أحد الجروبات، وانتشر بشكل واسع، مما دفع المحامين إلى التواصل معي وعرضوا رفع قضية على الوزارة مجانًا. لكنني لا أريد تعويضًا ماليًا أو شهرة، أريد فقط أن تعود ابنتي إلى المدرسة وتتعلم. فجأة، تم حذف الفيديو من الجروب، وكل التعليقات اختفت، وبالررغم من ذلك قد أخذ بعض الأشخاص الفيديو وأعادوا نشره في أماكن أخرى. ويبدو ان هناك أيادٍ خفية تتدخل، كما حدث مع التقرير الذي اختفى، والأشخاص الذين تجاهلوا شكواي، والذين تمت ترقيتهم بعد تقاعسهم.

س: ماذا تتمنى الآن وهل هنالك مشكلة في نشر هذا التقرير؟!

والد همسة: أريد أن يهتم أحد بمشكلة ابنتي، أن يسأل عنها في المدرسة، أن اعوضها عن كل ما مرت به. أبحث عن حل يجعلها تعود إلى طبيعتها، بدلًا من أن تعيش في خوف مستمر. لا أريد سوى حق ابنتي في التعليم، فهل هذا كثير؟

Post a Comment

أحدث أقدم